يقول الشيخ عبد الوهاب الشعراني :
« إنما مدح القوم الجوع المشروع لا غير ، وإنما حملهم على مدحه كونه مطلوباً لهم شرعاً عند أئمة الطريق في حق مريديهم في بداية أمرهم حتى يخرجوا عن تحكم الشهوات البهيمية فيهم ، فإذا خرجوا عن تلك الشهوات البهيمية نارت هياكلهم وأدركوا بالنور الحق والباطل وكانوا أئمة عدل بعد أن كانوا أئمة جور وحينئذ يكون الجوع مطاياهم التي تحملهم إلى حضرة مولاهم الخاصة ظلماً منهم لها . ونظير ذلك الإيثار على نفسهم ، فإن الله تعالى إنما مدح من يؤثر على نفسه ليتخلص من ورطة الشره الكامن في طبيعته ، فإذا خرج الشره والحرص ولم يبق عند العبد شيء منه حينئذ يطالب بأن يبدأ بنفسه ، لأنها أقرب جار إليه من غيرها ، وإلى ذلك الإشارة بالحديث : ابدأ بنفسك ثم بمن تعول (2)... وقد أنشدوا في مدح الجوع في أول
السلوك على الحد المشروع :
الجوع موت أبيض
ما لم يؤثر خبلاً
فاحكـم بـه تكـن لـــه وهو من أعلام الهدى
فهو دوا وهو دا
موفقــــاً مســــدداً
وأنشدوا في ذم الجوع في حق الكاملين :
الجوع بئس ضجيع العبد جاء به
قد أدرك القوم في تعيينه غلطاً
من قال بالجوع لم يعرف حقيقته
جوع العوائد محمود فلست أرى
جوع الطبيعة مذموم وليس يرى لفظ النبي فلا ترفع به رأسا
ولم يقيموا له وزناً وقسطاسا
وقد أضل بما قد قاله الناسا
فيما أراه من استعماله بأسا
فيه المحقـق بالرحمـن إيناسـا
أي : جوع الأكابر اضطراراً لا اختيار ، لوجوب العدل عليهم في رعيتهم حين انقادت لهم ، وما كان الجوع مطلوباً لهم إلا حين كان عائقة آبقة عن الطاعة ، فكأنه كان عقوبة لها من باب : وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ